فتح د.عصام حجى فى حواره مع الإعلامى مجدى الجلاد جراحاً كثيرة.. لكن لفت انتباهى، فضلاً عن الجراح العلمية والخطايا البحثية المهمة التى أثارها، جراح أخرى هى الجراح والمشاكل الاجتماعية خاصة فيما يتعلق بالبنت المصرية التى لخص «حجى» حالها فى جملة بليغة فقال «إن الأسرة المصرية تصرف على جهاز بنتها أضعاف أضعاف الدكتوراه»، أزيد عليه وأضيف وأقول إن سمحوا لها باستكمال الدكتوراه أصلاً! شيزوفرينيا المجتمع المصرى فى تعامله مع البنت والكوميديا السوداء تنبع من تفاصيل اجتماعية هى أقرب إلى السريالية منها إلى الواقعية، على سبيل المثال: لهاث الأسرة وتوترها فى شراء طقم الصينى للبنت الذى سيوضع فى النيش ليستعمل مرة واحدة كل عشر سنوات، والغريب والمدهش أن ما يستعمل منه فى هذه المرة، التى تحدث كل عقد من الزمن، هو ثلاث أو أربع قطع بالكتير، وبالرغم من ذلك، وبالرغم من أن الأم والأب والبنت يعرفون جيداً هذه القصة المتكررة عبر الأجيال المصرية فإن الإصرار على الـ24 طبقاً والـ24 فنجاناً والـ24 شوكة والـ24 ملعقة وطقم الشاى وطقم الشوربة... إلى آخر هذه المقدسات، هو إصرار برغم كل اللامعقوليزم فيه فإنه يحدث فى كل الأسر ومع كل البنات وكأنه نص سماوى مقدس!! الأكثر دهشة، والذى يدعو إلى الشلل الرباعى، هو أن كثيراً من الأمهات بعد ولادة البنت تذهب إلى بورسعيد مباشرةً لشراء «الصينى» للبنت التى ستتزوج بعد ربع قرن وتعود غانمة فرحانة بالهروب من الجمرك لتضع الكرتونة أسفل السرير تنظر إليها بهيام وشغف غير عابئة بتغير الأذواق بعد هذا الربع قرن، والذى يبعث على اللطم والنواح أنه بجانب هذا الطقم الصينى تشترى طقم الميلامين للاستعمال، فيصبح لدى البنت طقمان، الأول صينى للسياح والفرجة وكأنه معبد الكرنك، والثانى صينى مضروب اسمه الميلامين لزوج المستقبل وأولاده وأحياناً يستخدم فى الخناقات الزوجية من ضمن أسلحة الدمار الزوجى الشامل. معركة الصالون التى طالما أفشلت زيجات كثيرة تم الانفصال فيها وأحياناً بعد «كتب الكتاب» لأن صالون الأوبيسون أو لويس السادس عشر أو عيدى أمين السابع عشر لم يتوافر، الشقة ليس فيها مكان أصلاً للصالون، كل القعدة فى الأنتريه والصالون لا يدخله أحد حتى الأولاد ممنوع أن يقتحموه لأن السجادة شيرازى من النوع الشاهنشاهى الفاخر، يصبح صالون الجنة الموعودة مثله مثل غرفة الحكايات التى دائماً ينصح فيها بطل القصة ألا يقترب منها حتى لا تصيبه صاعقة الموت أو يتلبسه عفريت القمقم!! إحساس العنوسة الذى يتلبس البنت نتيجة لهفة الأهل فيدربونها منذ سن السادسة عشرة على مهارة اصطياد العريس، إذا كان الجو المحيط يريد حجاباً فلتتحجب لأن العريس المقبل يحب الحجاب وعايش نصف حياته فى السعودية، أو تتبرج لأن العريس المقبل عينه زايغة ومتربى طول عمره على حمام سباحة نادى الجزيرة، من ضمن المهارات تدريبها على الرقص فى حفلات زفاف صديقاتها لتنافس صافيناز، أو تقرأ كتاب فن التسبيل لفتح السبيل، وتعليمها دروس كيف تكون فولة منتظرة الكيال، وأن تقفز فى القطار قبل أن يفوتها منتظرة جودو بطل مسرحية اللامعقول فى محطة العانس الأبدية، وأن تكون نغشة حتى لا تصبح وحشة!! ازدواجية مأساوية مرعبة تجعل من البنت نصف إنسان، كياناً مرتبكاً، تعيش ندماً مزمناً وإحساساً مؤلماً بأنها عبء ونجاسة وعورة على هيئة جسد أينما حلت، قضايانا الاجتماعية المهملة للأسف أخطر من قضايانا السياسية لأنها تمس هوية البنى آدم الذى لو وضعنا له أعظم دستور وأجرينا له أنزه انتخابات سيظل مشوهاً مشلولاً عاجزاً، وبعدها نتساءل «لماذا لا نتقدم؟».